ويعد الخطاب فرصة لتقييم الأداء التشريعي والرقابي للمؤسسة البرلمانية وتحديد أولويات المرحلة المقبلة، بما يضمن استكمال الإصلاحات الكبرى وتكريس سياسات التنمية الشاملة.
ركز الخطاب على ثلاثة مستويات رئيسية من التوجيه الملكي، أولها التوجيه المؤسساتي الذي دعا فيه البرلمان والأحزاب إلى أداء أدوارهم الدستورية بمسؤولية، بعيدًا عن الحسابات الضيقة، وضمان تعاون فعال بين مختلف المؤسسات لتحقيق المصلحة العليا للوطن.
كما تطرق التوجيه التنموي الذي أكد فيه جلالة الملك على العدالة الاجتماعية والمجالية كرهان استراتيجي، يضمن تكافؤ الفرص وتحقيق التنمية المتوازنة بين جهات المملكة، بينما أشار التوجيه القيمي والأخلاقي إلى ضرورة الالتزام بقيم النزاهة ونكران الذات وخدمة الصالح العام، باعتبارها ركائز أساسية للممارسة السياسية الرشيدة والحكامة الفعالة.
واستعرض الخطاب محاور رئيسية تهم العمل البرلماني، إذ أشاد جلالة الملك بالمجهودات التشريعية والرقابية لأعضاء البرلمان خلال الولاية الحالية، مؤكّدًا على أهمية السنة الأخيرة في استكمال المخططات والبرامج المفتوحة، وداعيًا إلى تجنب التعارض بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، والعمل على تكامل الأهداف في خدمة التنمية الشاملة.
كما أكد على أن تأطير المواطنين وتوعيتهم جزء من المسؤولية المشتركة للبرلمان والأحزاب ووسائل الإعلام، بما يعزز الثقة بين المواطن والمؤسسات ويعمق ثقافة الديمقراطية التشاركية، ويتيح إشراك المواطنين في فهم السياسات العمومية وتقييمها.
جدد جلالة الملك في هذا السياق، الدعوة إلى تسريع مسار “المغرب الصاعد” عبر إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، ذات بعد استراتيجي يتجاوز الولاية الحكومية والبرلمانية، ويرتكز على تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية تضمن توزيعًا منصفًا للفرص والموارد بين مختلف الجهات.
وأكد الخطاب أن العدالة الاجتماعية ليست شعارًا ظرفيًا، بل توجّهًا بنيويًا يجب أن يحكم كل السياسات العمومية، داعيًا إلى تعبئة شاملة لكل الطاقات، وتغيير العقليات، واعتماد ثقافة النتائج، والاستفادة من التحول الرقمي لتحسين حكامة المشاريع وتقييم أثرها الميداني.
كما حدد الخطاب أولويات التنمية الترابية، متمثلة في تنمية المناطق الجبلية والهشة من خلال سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصيات كل منطقة، والتنمية المستدامة للسواحل الوطنية عبر تفعيل القانون والمخطط الوطني للساحل بما يوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، إلى جانب توسيع المراكز القروية لتقريب الخدمات وتدبير التوسع الحضري بشكل منسجم مع العالم القروي.
وانطلق الخطاب من منظور شمولي للحكامة التنموية، قائم على ترسيخ ثقافة المسؤولية والمحاسبة، وتعزيز نجاعة الاستثمار العمومي، وإشاعة الروح الوطنية ونكران الذات في تدبير الشأن العام، مؤكدًا أن خدمة الوطن مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهمة سياسية أو إدارية، كما تجسدت في الآية الكريمة التي ختم بها خطاب جلالته: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره».
ويرسم الخطاب الملكي خارطة طريق لمرحلة انتقالية بين نهاية ولاية برلمانية وبداية دورة جديدة من الإصلاح والتنمية، مشددًا على استمرارية المشروع التنموي المغربي بما يتجاوز التناوب الحكومي، وداعيًا إلى تحول ثقافي ومؤسساتي يجعل العدالة المجالية محورًا لتقوية الوحدة الوطنية.
كما يوازن الخطاب بين الواقعية السياسية ومتطلبات الدولة الحديثة، مستشرفًا مستقبل المغرب الصاعد برؤية شمولية تجمع بين القيم الاجتماعية، والرقمنة، والتنمية المستدامة، مع التأكيد على أهمية تكامل الجهود بين المؤسسات والمواطنين لتحقيق التنمية المنشودة.









