أيوب محفوظ قناص مغربي يكتب:
منذ جائحة كورونا والعالم يعيش أزمة اقتصادية أثرت على مختلف القطاعات، لكن ما لم يكن متوقعا هو استمرار تداعياتها إلى يومنا هذا، خاصة في مجالات كنا نعتقد أنها بعيدة عن التأثيرات المباشرة للأسواق العالمية، ومن بينها القنص.
كقناص مغربي، أجد نفسي أمام وضعية غير مسبوقة فقد تضاعف ثمن خراطيش القنص بشكل غير مبرر، بعدما كنا نظن أن هذا الارتفاع مجرد أزمة مؤقتة مرتبطة بسلاسل التوريد خلال فترة الإغلاق والقيود التي فرضتها الجائحة، لكن الأمور لم تتوقف عند ذلك، بل استمرت الأسعار في الارتفاع دون أي مؤشرات على العودة إلى ما كانت عليه سابقا.
أصبح من الصعب اليوم على القناص المغربي تحمل هذه التكاليف الباهظة، فالقنص ليس مجرد هواية عابرة، بل هو تقليد متجذر في الثقافة المغربية، مرتبط بالموروث التاريخي والاجتماعي، ويشكل جزءا من هوية الكثير من الممارسين الذين يجدون فيه متعة وتواصلا مع الطبيعة، إضافة إلى دوره في التوازن البيئي وتنظيم الأعداد الحيوانية.
لكن في ظل هذا الارتفاع الصاروخي، أصبح القنص شيئا فشيئا حكرا على فئة محددة قادرة على تحمل هذه المصاريف، بينما يجد القناص العادي نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تقليص عدد الخرجات، أو التوقف نهائيا عن ممارسة هذه الهواية التي لطالما عشقها.
السؤال المطروح اليوم: من المسؤول عن هذا الارتفاع المستمر؟ هل هو المصنعون الذين يواجهون بدورهم ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب زيادة أسعار المواد الأولية، مثل الرصاص والبودرة والبلاستيك التي تدخل في صناعة الخراطيش؟ أم أن الأزمة مرتبطة بسلسلة التوزيع، حيث أصبحت هناك مضاربات بين المستوردين والموزعين والتجار؟ هل يمكن أن تكون الضرائب المفروضة على استيراد هذه المنتجات عاملا آخر يساهم في تضاعف الأثمان؟
الواقع أن القناص المغربي لا يملك أجوبة واضحة لهذه التساؤلات، لكنه يعيش يوميا معاناتها، ويشعر أن هناك تلاعبا بالأسعار من طرف بعض الجهات التي تستغل غياب الرقابة والتنسيق بين مختلف الفاعلين في المجال.
ففي السابق، كان ثمن الخرطوش في متناول الجميع، وكان بإمكان القناص العادي اقتناء كمية كافية دون أن يشكل ذلك عبئا على ميزانيته، أما اليوم فقد باتت الأسعار مرهقة، وأصبحت الحاجة ملحة لإيجاد حلول لهذا الوضع غير العادل.
إن جمعيات القنص يمكنها أن تلعب دورا محوريا في الدفاع عن حقوق القناصة والتفاوض مع الجهات المختصة للحد من هذه الزيادات غير المبررة، كما أن على السلطات المعنية التدخل لتنظيم هذا القطاع ومنع الاحتكار والمضاربة. قد يكون أحد الحلول أيضا هو التصنيع المحلي للخراطيش بدل الاعتماد الكلي على الاستيراد، مما سيساهم في تقليص التكاليف وضمان استقرار الأسعار على المدى البعيد.
مهما كان الحل، فإن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، وإلا فإن القنص في المغرب سيصبح نشاطا نخبويا مقتصرا على فئة قليلة قادرة على مجاراة هذا الغلاء الفاحش، بينما سيجد الكثير من القناصين أنفسهم مضطرين للتخلي عن هوايتهم التي رافقتهم منذ الصغر، لذا، لا بد من دق ناقوس الخطر والتحرك بسرعة قبل أن يصل هذا القطاع إلى نقطة اللاعودة.