راهنت الجزائر طويلًا على تحالفها مع نظام بشار الأسد، ليس فقط في إطار محور “الممانعة”، ولكن أيضًا كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الحضور المغربي في المنطقة. استخدمت هذا التحالف لتعزيز مواقفها في قضية الصحراء المغربية، حيث دعمت دمشق تحت حكم الأسد الطرح الجزائري. لكن بعد سقوط النظام القديم وصعود قيادة سورية جديدة تسعى لإعادة الاندماج في المنظومة العربية، وجدت الجزائر نفسها في موقف ضعيف، تخشى فيه خسارة ورقة كانت تراهن عليها.
استشعرت الجزائر خطورة هذا التحول وسارعت إلى إرسال وزير خارجيتها إلى دمشق، في محاولة لتطويق النفوذ المغربي المتنامي. لم تكن الزيارة مجرد تحرك دبلوماسي عادي، بل خطوة استباقية تهدف إلى إعادة فرض الجزائر كطرف فاعل في المعادلة السورية الجديدة. غير أن هذا التحرك يعكس تناقضًا واضحًا في مواقفها، إذ لطالما اعتبرت القيادة الجزائرية أحمد الشرع جزءًا من “الجماعات الإرهابية”، لكنها الآن تحاول التقرب منه والاعتراف بشرعيته.
تفقد الجزائر تدريجيًا قدرتها على التأثير في المشهد الإقليمي، بعدما أصبحت رهاناتها على تحالفات قديمة غير مجدية. يدرك النظام السوري الجديد أن مستقبله مرتبط بإعادة الانخراط في الفضاء العربي المشترك، وليس بالبقاء رهينة لعلاقات كانت سببًا في عزلة سوريا لعقد من الزمن. لهذا، لم يعد بإمكان الجزائر استغلال هذا الملف بالطريقة ذاتها، مما يجعل محاولاتها إعادة ضبط علاقتها مع دمشق تبدو كتحرك يائس أكثر منه خطوة محسوبة.
تواصل الجزائر فقدان أوراقها أمام الدبلوماسية المغربية، التي أثبتت قدرتها على التكيف مع المتغيرات وكسب شركاء جدد في المنطقة. يظهر التقارب المغربي-السوري كنقطة تحول جديدة تعزز مكانة الرباط إقليميًا، بينما تبقى الجزائر عالقة في مناوراتها التقليدية التي لم تعد تحقق أي مكاسب. تجد نفسها في موقف الدفاع، تحاول مقاومة دينامية دبلوماسية مغربية أكثر نضجًا وفعالية، لكن الزمن لا يسير لصالحها.